[ad_1]
تنسج الأوبرا قصصا إنسانية في البطولة والشهامة والحب والأخلاق النبيلة، فهي رمز للفنون والثقافة، و”فن الفنون” كما يطلق عليها، إذ تجمع الغناء والموسيقى والدراما والباليه والتمثيل والإخراج والديكور والأزياء، التي تتلاقى لترسم ملحمة حضارية إنسانية واحدة، بألوان الرقي والفن والجمال.
وصفت الأوبرا كذلك بأنها “تاج كل حضارة”، لأنها فن يجمع كل الفنون الأخرى، وفي قلب الرياض كان لها ثلاث ليال فريدة ضمن مهرجان الأوبرا الدولي، الذي اختتم قبل أيام لياليه مثريا الجمهور السعودي، في فرصة لتجربة الأوبرا وفقا للمعايير الدولية.
الثقافة الأوبرالية
الأوبرا” فن عابر لكل اللغات، لا يحتاج إلى أبجديات تترجمه إلى اللغات الأخرى، لكنه يترجم نفسه في فضاء الروح، تمكن مهرجان الأوبرا الدولي في نسخته الثانية من جمع أروع الأصوات، من مشاهير فن الأوبرا والأوركسترا العالميين في قلب الرياض، ليسهم في تعزيز الوعي الثقافي، تحقيقا لأهداف الاستراتيجية الوطنية للثقافة ومستهدفات رؤية المملكة 2030.
وسجل المهرجان حضورا واسعا، ولا سيما بعض فئات الجمهور الذي تعرفوا للمرة الأولى على الثقافة الأوبرالية، إحدى أهم الثقافات العالمية التي حرصت هيئة الموسيقى – التابعة لوزارة الثقافة – على أن تستضيفها لاستضافة المواهب العالمية، بمشاركة مواهب سعودية ذات تجربة تستحق أن تشنف لها الآذان.
وتبنت الهيئة دورا في تثقيف الجمهور السعودي بماهية الأوبرا والفنون العالمية، ونشر الثقافة الأوبرالية في المجتمع المحلي من خلال مهرجان أصبح حدثا سنويا دوليا يسهم في دعم القطاع الموسيقي وتنوعه.
في أعماق السيمفونيات
في فن الأوبرا ما يجعل المستمع يطير بين هامات السحاب، ويغوص في أعماق السيمفونيات، حسبما يصف هذا الشعور حضور المهرجان، الذي شهد استضافة أسماء نوعية، حيث شارك فيه عشرة فنانين عالميين من نجوم فن الأوبرا والموسيقى الكلاسيكية وعروض الأوبرا العالمية.
ففي الليلة الأولى صدح قائد التينور في أرقى مسارح العالم، الفنان الإيطالي فيتوريو جريجولو، جنبا إلى جنب مع الممثلة وكاتبة الأغاني والسوبرانو البريطانية الشهيرة سارة برايتمان، وفي الليلة الثانية صعد على خشبة المسرح الفنانة الموسيقية إيوريل، والثنائي مايكل بال وألفي بو، وفي ليلته الختامية شهد صعود أعضاء فرقة “أوبرا غالا” أليسون لانجر وفيكتوريا سيموندز وديفيد بات فيليب ومورجان بيرس، بمشاركة عروض الأوركسترا السيمفونية الوطنية البريطانية، وظهور خاص ومميز للمغنية والعازفة السوبرانو السعودية ريماز عقبي.
معرض فرانكو زيفيريلي
لم يقتصر مهرجان الأوبرا على أمسيات موسيقية وغنائية، وإنما تجاوزها ليقدم تاريخ هذا الفن الكلاسيكي وما يرتبط به من مقتنيات وأجواء، تتمثل في الأزياء، الآلات الموسيقية، وتعريفا بتاريخها وأهم مسارحها الشهيرة، ضمن معرض فرانكو زيفيريلي لقطع الأوبرا الأيقونية.
ويعد زيفيريلي موهبة استثنائية في عالم الأوبرا، رحل في 2019 مخلفا خلفه إرثا فنيا عريقا، إذ أبدع في مجال تصميم الديكور والأزياء معا، وذاع صيته بصفته ممثلا، وكاتبا، ومخرجا، ومنتجا في مجالات الأوبرا، والدراما، والسينما، والتلفزيون، والباليه، استمرت مسيرته 75 عاما.
قدم الأوبرالي الشهير 26 مسرحية و99 عرضا للأوبرا، معظمها صمم لها الديكور والأزياء، وعلى مستوى السينما والتلفزيون أخرج ثلاثة أفلام وثائقية و16 فيلما روائيا، وأربعة أفلام أوبرا، ومسلسلا تلفزيونيا، وحصد جوائز مختلفة، ونال ثلاث شهادات جامعية فخرية، وتقديرا لإسهاماته منحته إيطاليا وسام رتبة ضابط بارز، وكرمته المملكة المتحدة ومنحته لقب وسام قائد الفرسان لإمبراطورية بريطانيا، واستحق أن يخصص معرض باسمه في مهرجان سعودي يحتفي بالأوبرا.
عروض أوبرالية حية
كان متذوقو الموسيقى على موعد مع عروض حية، أضافت ميزة استثنائية للمهرجان، إذ قدم فنانون وفنانات بأزياء كلاسيكية عروضا للأوبرا أمام الجمهور، قبيل دخولهم المسرح، وفي وقت الاستراحة بين الوصلتين الغنائيتين، وبعيد خروجهم، جعلت من رحلة الزائرين محطة لا تنسى.
ومن العروض الحية إلى ركن مبتكر، خصصه المهرجان للتصوير الفوتوغرافي، صمم بشكل كلاسيكي، متيحا للزوار تجربة التقاط صور تذكارية تشير إلى عراقة هذا الفن في العالم.
ولم يغفل المهرجان دوره في التعريف بآلات الأوبرا، وإبراز الفروقات بين طبقات الأصوات الرجالية والنسائية، فالفئات الصوتية الأوبرالية للنساء هي (سوبرانو)، أي أقوى صوت نسائي، ثم (ميزو سوبرانو) وهو أقل قوة من السوبرانو، و(كونترالتو/ ألتو) أدنى طبقة صوت للمغنيات الإناث.
فيما تتلخص الفئات الصوتية الأوبرالية للرجال في (كاونتر تينور) أعلى طبقة صوتية في أصوات الرجال، ثم (تينور) الأكثر حدة في الأوبرا، و(باريتون) الأكثر شيوعا بين أصوات الأوبراليين الرجال، و(بيس) وهي طبقة صوت منخفضة.
أما المسرح، فتشير المصادر إلى أن أول دار أوبرا عامة افتتحت كانت في 1637 في البندقية، تزايدت إثرها شعبية الأوبرا، وأراد المؤلفون أن تكون أوبراهم بلغة الجمهور، لذلك كتب المؤلف الموسيقي النمساوي موزارت أوبرا بالنصوص الإيطالية، ثم مزجت الأوبرا الإيطالية مع الأوبرا الفرنسية والألمانية، فأصبحت مميزة بالشكل الذي نعرفه اليوم.
الأوبرا العربية
عالم الأوبرا واسع، وظهرت فيه خلال العقود الأخيرة فرق أوبرالية عربية، تحافظ على جوهر هذا الفن، وبحسب ما يرى الموسيقي مارون الراعي، صاحب كتاب “الأوبرا العربية”، الصادر عن الدار العربية للعلوم ناشرون، فإن الأوبرا منشط اقتصادي لما يعرف اليوم بـ”اقتصاد المعرفة” بقطاعيه الصناعي الثقافي، والسياحي الموسيقي المزدهر.
وعن الأوبرا بشكلها العربي، يقول إنها نضجت لما مرت به من تجارب وخبرات، وفي جهوزية كاملة لكي تنطلق قوية بثبات وتصميم، إذ تجازوت الأوبرا العربية كثيرا من المطبات والصعاب لتكتشف هويتها ومسارها الصحيح المرتكز على وجهين، الوجه الأول هو وجه الأوبرا العربية العالمية بأسلوبها الخاص في تركيز الصوت والغناء المسمى “أسلوب الغناء الحديث”، منهج الغناء الأوبرالي في اللغة العربية، وهو ما يصح للارتكاز أبدا عليه كي لا تضيع من دونه بوصلة الأصول العالمية لفن الأوبرا.
ويضيف في كتابه، الذي يوثق تجارب عربية متفرقة، بأن وجه الأوبرا الثاني هو العالمية العربية العائد للأعمال الأوبرالية العالمية بإنتاج شرق عربي، حيث إن السر في صناعتها وإثباتا لهويتها الشرقية يرتكز على إخراجها المسرحي الموسيقي من خلال مسرحيين موسيقيين هم أبناء البيئة المشرقية، المعجونون بالحضارة العربية بكامل أبعادها الثقافية والاجتماعية والتاريخية والبيئية.
[ad_2]
Source link